المميزات


1.    تقع المدينة العتيقة بشفشاون بشمال المغرب، وبالضبط بجبال الريف الغربي. لقد تم اختيار هذا الموقع بشكل ملحوظ، سواء من الناحية الإستراتيجية الطبيعية، حيث تتكئ المدينة على جبال هذه السلسلة المغطاة بغابات كثيفة من السنديان والصنوبر والفلين. كما أن منبع مياه رأس الما ساهم في توفير كميات مهمة من المياه العذبة، النقية والشفافة، سمحت بتحويل جنبات الوادي المحيطة إلى حدائق غناء وبساتين خصبة، تبعث على الارتياح والجمال.
2.    في سنة 876هـ/1471م، حين سقطت المدن الساحلية مثل طنجة والقصر-الصغير وأصيلا في أيدي البرتغاليين، بادر الشريف مولاي علي بن راشد إلى صد التوسع البرتغالي نحو الداخل بتنظيم حركات للمقاومة المحلية أو الجهاد الدفاعي.
3.    وبناء عليه، قرر هذا الأمير بناء رباط للجهاد في سفوح هذه القمم الجبلية. اشتق لفظ شفشاون وهو الاسم الأمازيغي الأصلي من لفظ "إيساكون" أو إيشاون" والتي تعني "القرون" وشف بمعنى "أنظر" أي أنظر القرون"، في إشارة إلى القمم التي تحتضن هذه المدينة من كل الجهات. وعرفت المدينة نموا ديمغرافيا مضطربا نتيجة تأثير الموجات البشرية الأندلسية بشكل ملحوظ. وقد بنيت هذه المدينة على مبدأ مقاومة الهجمات الإيبيرية مما جعلها "مدينة مقدسة"
4.    ولد مولاي علي بن راشد في قرية غرزويم سنة 844ه/1440م. اجتاز الأمير إلى الأندلس في سن الثلاثين عاما للمشاركة في حرب الاسترداد ضد المسيحيين بغية الدفاع عن حدود إمارة غرناطة. هناك تزوج بامرأة حديثة العهد بالإسلام اسمها للا زهرة من مدينة بخير دي لا فرونتيرا.
5.    في سنة 869هـ/1456 م، عاد مولاي علي بن راشد إلى المغرب للاستقرار في قريته غروزيم بعد مقتل ابن عمه ابن أبي جمعة في الجهاد ضد البرتغاليين، نظم مولاي علي بن راشد أولى غزواته لتحرير المدينتين المحتلتين سبتة وطنجة. كما أنه تولى مبادرة لنقل موقع المدينة من الضفة اليسرى لنهر رأس الما إلى اليمين، لأسباب إستراتيجية، نذكر من بينها: القرب من المنبع الطبيعي لرأس-الما، الاستفادة من الحماية الطبيعية والتي توفرها القمم الجبلية القائمة بهذا الموقع.
6.    خلال أكثر من ثلاثة قرون، توسعت المدينة باستقرار هجرات بشرية قدمت من الأندلس. كما تمثل هذا التوسع العمراني في بناء عدد من المساجد والتحصينات العسكرية من قبيل الأسوار وما ينيف عن عشرة أبواب. في الوقت نفسه، إلى جانب القصبة أسسها الأمير مولاي علي بن راشد تم بناء المسجد الكبير (المسجد الأعظم) الذي تم تجديده في القرن السابع عشر الميلادي، حيث يحتوي على مئذنة مثمنة أنيقة ذات قاعدة مربعة تطل على ساحة وطاء الحمام.
7.    على الصعيد التاريخي، تعتبر المدينة العتيقة بشفشاون من بين الحواضر المغربية ذات الطابع الأندلسي. ابتداء من 1471- 1609م، توافد على المدينة مجموعة من هجرات المسلمين الذين طردوا من اسبانيا. وساهمت هذه الهجرات البشرية في التوسع العمراني للمدينة مع إحداث تطور اجتماعي واقتصادي مهمين. ومن البديهي أن قيمة هذه المدينة تنبع في المقام الأول من خصوصية المشاهد الحضرية لهذه الحاضرة الجبلية. كما أن شكلها العمراني جاء نتيجة تمازج جميل بين جملة من التعبيرات المعمارية والفنية والجمالية الناجمة عن الاستخدام المتناسق والتلقائي لمواد وتقنيات بناء وزخرفة، ناهيك عن الانسجام بين الأحجام وألوان مما يرسم في أذهان الناس صورة مميزة واستثنائية.
القصبة
بنيت سنة 876هـ/1471م، على مساحة شاسعة وبتصميم شبه مستطيل، واحتلت بذلك الجزء الشمالي-الغربي من المدينة العتيقة. كانت هذه المعلمة محاطة بسور قوي تخلله مجموعة من الأبراج والأبواب تشرف على أحياء المدينة العتيقة. عند دخول القصبة، يمكنك الإعجاب بحديقتها على الطراز الأندلسي مع زيارة مركز إشعاع التراث (المتحف الإثنوغرافي للقصبة سابقا) الذي يضم الآن ثلاثة أوراش عمل خاصة بالحرف الرئيسة للزخرفة الفنية في شمال المغرب والأندلس: الخشب والزليج والجبص.
كانت الماهية العسكرية للقصبة قائمة ضد الاحتلال البرتغالي منذ تاريخ تأسيسها. ومن المألوف أن تبنى الرباطات على السواحل، في حين أن تلك الموجودة في المناطق الداخلية كانت قليلة، مما يشكل إحدى خصوصيات رباط شفشاون الذي يقع داخل هذه المنطقة الجبلية، مبرزة بذلك الدور الدفاعي لإمارة الرواشد، وظلت القصبة كذلك منذ القرن الخامس عشر الميلادي وحتى عهد السعديين والعلويين حيث باتت مقرا لحكم قواد منطقة غمارة.
تشكل هذه القصبة رمزا للعمارة العسكرية للقرن الخامس عشر الميلادي، وكانت القصبة دار للإمارة أي مقر للسلطة المحلية. كانت القصبة تتكون من الإقامة الأميرية، مسجد صغير خاص بالأمير،حديقة، وإسطبلات للخيول وسجن. واستمرت هذه المعلمة في أداء أدوراها كمركز للسلطة المحلية (دار المخزن) إلى فترة الحماية الإسبانية، أي دخول الجيش الإسباني للمدينة خريف سنة 1920.
تشكل قصبة شفشاون نموذجا للقلعة الحضرية التي ضمت مقر للسلطة أو دار الإمارة. كما أن هذه المعلمة تعكس جوانبا من الفن الأندلسي خصوصا على مستوى الأبراج الثلاثة عشرة والتي ترتبط فيما بينها بواسطة ممر من التراب المدكوك. يعد البرج البرتغالي أكبر وأعلى هذه الأبراج، حيث يضم هذا البرج أربعة طوابق، باعتباره كان برج للمراقبة.
تشكل القصبة أول مزار للسياحة الثقافية بالمدينة لجذب الزائرين الذين يبدون إعجابهم بجمال حدائقها ذات الطراز الأندلسي وعلو أبراجها. وقد صنفت هذه القصبة ضمن التراث الوطني بوصفها أول معلمة تاريخية بالإقليم وفقا للمرسوم المنشور في الجريدة الرسمية رقم 4506 لسنة 1997. بعد مرور بضع سنوات، قامت وزارة الثقافة بعملية ترميم شاملة للقصبة سنتي 2002-2003، وتمت إعادة تأهيل إحدى فضاءاتها كمسرح للهواء الطلق عام 2005. على مستوى السياحة الثقافية، تشكل القصبة أهم مزار للسياحة الثقافية بل الأول من نوعه على مستوى المدينة، لأنها تستقبل سنويا الآلاف من الزوار المحليين والأجانب.
أحياء المدينة العتيقة بشفشاون
تجمع شفشاون كموقع مثالي بين التقاليد المعمارية المحلية الخاصة بمنطقة جبلية وتأثيرات الحضارة الأندلسية التي جاء بها الموريسكون الذين نزلوا بها حتى القرن السادس عشر. تضم المدينة العتيقة سبعة أحياء وهي: السويقة أو السوق الصغير، ريف الأندلس، الصبانين أو المغاسل، الخرازين، العنصر أو منبع الماء، الملاح أو الحي اليهودي، باب السوق أو السوق.
عرفت المدينة تطورا حضريا خلال القرنين الخامس عشر-السابع عشر. فلقد حافظت هذه المدينة على تأثيرات الهندسة المعمارية العربية الأندلسية في أحيائها، خاصة الخرازين، السويقة، باب السوق، الملاح، الصبانين، وريف الأندلس.
حي السويقة: بني في عهد مولاي علي بن راشد، بحيث يعتبر هذا الحي من بين الأقدم في المدينة العتيقة بشفشاون. ارتبط اسم هذا الحي بوجود أول سوق بالمدينة بحيث عرفت نشاطا تجاريا مكثفا، ذلك أن كلمة" سويقة " تصغير للسوق. فرض التطور العمراني للمدينة خارج الأسوار، على الحي انكماشا من حيث حركيته التجارية، خصوصا بظهور فضاءات تجارية حديثة، الإ أنه يظل محورا أساسيا لبيع مشغولات الحرف اليدوية التقليدية للساكنة الجبلية.
حي ريف الأندلس: شهدت شفشاون زمن مولاي علي بن راشد وصول هجرة جماعية من الأندلسيين. استقرت هذه الموجة البشرية في هذا الحي الذي يحمل اسمها حتى الآن. يقصد بكلمة ريف المكان الذي يحاذي النهر حيث تنتشر الأشجار والنباتات.
حي الخرازين: سمي هذا الحي كذلك كناية على محترفي مهنة الخرازة، والخرازين جمع للخراز" والتي تعني "الإسكافي". لهذا كان هذا الحي معروفا بممارسة حرفة صناعة الأحذية والدباغة. غالبا ما يتم تصنيف هذا الحي الرابع على مستوى التطور العمراني للمدينة العتيقة، إذ تميز بنشاط تجاري مهم مرتبط أساسا بالمنتجات الجلدية. كانت هذه المواد الأولية المنتوجات متوفرة ومتاحة بشكل كبير في شفشاون والمنطقة المحيطة بها، مما شجع الحرفيين للانخراط في هذا العمل بقوة إلى درجة تصدير بعض هذه المنتجات الجلدية إلى مدينة فاس.
حي الصبانين: يعد واحدا من أقدم أحياء المدينة العتيقة، إذ يقع في الجانب الأيسر من المنبع المائي لرأس الما . اشتقت كلمة "الصبانين" من فعل "صبن" الذي يقصد به "غسل". وبالتالي فلفظ "الصبانين" جمع لكلمة صبن التي تحيل إلى مجموع السكان الذين يحضرون إلى ضفاف منبع رأس الما لتنظيف الصوف سابقا وقبل بيعها وكذلك ملابسهم خصوصا فصل الربيع.
حي الملاح: يقع هذا الحي بالمدينة العتيقة، وتحديدا إلى الجنوب من حي السويقة. وهو عبارة عن زقاق ضيق كان يتكون من حوالي 50 منزلا. انتقلت إليه مجموعة من الأسر اليهودية التي كانت تقطن المدينة قبل أن يستقر بها المقام في حي خاص بهم.
حي باب السوق: يشكل هذا الحي الجزء العمراني الأخير الذي بني بالمدينة العتيقة سنة 1609م، من طرف آخر موجة من الموريسكين طردت من الأندلس. ترتبط تسمية هذا الحي بوجود السوق الذي لا يزال يعقد كل أيام الاثنين والخميس، عند البوابة التاريخية لهذا الحي.
المنبع الطبيعي لرأس الما
شكل منبع رأس الما في الأصل أساس تأسيس مدينة شفشاون، كما كان هذا المنبع المورد الوحيد لتزويد المدينة بالمياه الصالحة للشرب، ذلك أنه ينبع من بعض الجبال مما يسمح تزويد المدينة بمياه الشرب وري البساتين المجاورة وشرب الحيوانات. وكانت في الماضي تشكل مزودا للطاقة لرحى المياه التي تناثرت على كلا الجانبين لهذا المنبع المائي،حيث كان يستعمل أيضا في ري المزارع التي امتدت على طول الوادي.
حاليا يتم إدارة هذا المصدر من قبل المكتب الوطني للماء الصالح الشرب، ونظرا لجماليته الطبيعية بات مسارا سياحيا إلزاميا لجميع زوار مدينة شفشاون.